واد سوف عبر التاريخ
إعداد: عبد القادر عزام عوادي
تقع وادي سوف في الجنوب الشرقي من القطر الجزائري، وتعتبر من الولايات الحديثة التي ظهرت بمقتضى التقسيم الإداري لسنة 1984م، وتتكون من 12 دائرة و30 بلدية.
ويعود أصل تسمية المنطقة بهذا الاسم إلى عدة أسباب على اختلاف الروايات الكثيرة، ومن هذه الروايات:
- يذكر انه كان هناك نهر يجتاز الإقليم من الشمال إلى الجنوب ويطلق عليه "واد أزوف" والتي تعني خرير المياه، وبمرور الزمن تغير اسم هذا النهر إلى "واد سوف".
- وقيل نسبة إلى الصوف فأهلها منذ القديم يلبسون الصوف، وإضافة إلى ذلك كانت مستقرا للعباد من أهل التصوف يقصدونها لهدوئها.
ولها عدة تسميات أخرى منها ما هو ما زال شائع ومنها الذي اختفى في طيات كتب التاريخ والرحلات، ولعل من ابرز أسمائها الشائعة " مدينة الألف قبة".
ولوادي سوف تاريخ عريق، وماضي ثري بالأحداث، إذ شهدت على مر العصور والأزمان حضارات وشعوب مختلفة، وسوف أحاول أن اذكر أهم المراحل التاريخية التي مرت بها المنطقة للتعرف على أصالة وعراقة تاريخ واد سوف.
لقد شهدت فترة ما قبل التاريخ في واد سوف تجمعات بشرية نازحة من أعالي مصر، وكان هذا النزوح من اجل توفر الماء والصيد والكلأ الذي كان متوفرا بسوف وهو ما دلت عليه الشواهد التاريخية المتوفرة حيث عثر في سنة 1957م على هيكل عظمي لفيل الماموث بحاسي خليفة، وعثر على عدة أصداف ورخويات وعدة أنواع من البقايا تدل على فترة ما قبل التاريخ بالمنطقة.
ولقد سكن الجهات الصحراوية وبالأخص الجنوب الشرقي للصحراء الجزائرية الليبيون و الإثيوبيون ثم الجيتوليون، ولقد كانوا يمارسون الرعي والبحث عن الكلأ والماء، و بالإضافة إلى قبائل أخرى منها زيفون وماسوفا والغرامانت ولقد كانت هذه الشعوب تمتاز بالشجاعة والإقدام و خاضوا حروب من اجل الحفاظ على المنطقة، ولا تزال أثار تلك القبائل متواجدة في التسميات الخاصة ببعض المناطق مثل: تغزوت، تكسبت.
ولقد تواجد الفينيقيون بالمنطقة وذلك من اجل التجارة والذي ترجحه الروايات التاريخية بأنهم سكنوا ارض سوف ومن الأماكن الشاهدة على ذلك الجردانية، ولقد كانت لهم علاقات تجارية مع بلاد السودان، ولقد طالت إقامتهم بسوف وكانوا أصحاب أموال وابل وتجارة قياسا بأهل افريقية.
بعد نهاية الوجود الفينيقي في الشمال الإفريقي والقضاء عليهم من طرف الرومان في سنة 146ق.م، بدا الرومان في التوسع وبعد مرور السنين أي في حوالي سنة 80م قام الرومان باحتلال الجنوب الشرقي وحلو بسوف وسكنوا الجردانية والبليدة وبنو قرى منها: قمار، سندروس، الرقيبة، ومن الشواهد الدالة على تواجدهم العثور على اقطع نقود رومانية ونوميدية.
بعد نهاية الوجود الروماني بالشمال الإفريقي حل البيزنطيون في سنة 555م بعد ما قضوا عن الوندال ، ولقد عرفت هذه الفترة انتشار الديانة المسيحية، ولقد توجه عدد من الرهبان إلى جهة الجنوب ومنها ارض سوف ونزلوا عند من سبقوهم من الرومان بجلهمة وسحبان وبنو أمكنة للعزلة والاستيطان، ولقد وجدت العديد من الأديرة ومن بين المناطق الأسقفية قي قمار حيث استقر بها الأسقف والفيلسوف تولوت.
الفتح الإسلامي لواد سوف
يعد عقبة بن نافع هو فاتح سوف وهو من أتى بالإسلام لهذه المنطقة ولقد عين حسان بن النعمان على رأس جيش ليفتح به المنطقة الممتدة ما بين بسكرة وورقلة بما فيها إقليم سوف، ولقد كان من بين سرايا المسلمين التي تلقن الإسلام بالمنطقة البعض من عدوان فكونوا النواة الأولى لوجود قبيلة عدوان بسوف.
وبعد الخراب التي قامت به الكاهنة من اجل طرد المسلمين أصيبت سوف بالدمار والخراب وظلت كذلك حتى دخول قبائل بني هلال وسليم إلى افريقية وكان دخولهم بعد رحيل الفاطميين إلى مصر سنة 969م، وبدأت قبائل بني هلال وسليم بالتواجد بسوف على عدة رحلات كان آخرها التي وفدت من منطقة سوف حلب في سوريا، ولقد حلت قبائل من البربر في المنطقة وهي قبيلة زناته واستوطنوا موضعا يسمى "ضواي روحه" في حوالي سنة 1129م، ولقد تهافت عليهم الناس ومن بينهم آل عدوان، وحصلت بينهم مناوشات كان النصر فيها لآل عدوان، وتوالت عدة قبائل عربية وبربرية على المنطقة إلى أن استقر الأمر على قبيلتي بني طرود وعدوان العربيتين.
بعد تعاقب السنين والدهور على قيام الدول والإمارات الإسلامية بسوف حل في سنة 1518م الحكم العثماني على الجزائر، ولكن سوف لم تخضع للحكم المركزي المتمثل في بايلك الشرق ولقد كانت سوف مستقلة في اغلب الأحيان، لكنها كانت تتعرض للضغوط من حين إلى آخر من اجل جمع الضرائب والإتاوات ونحوها في الفترة ما بين 1700-1844م .
الاحتلال الفرنسي لواد سوف
منذ أن وطئت أقدام المحتل البغيض ارض الوطن وهو يحاول التوسع وبسط نفوذه على كامل التراب الوطني، وبعد احتلاله مدينة بسكرة وسقوطها في سنة 1844م، حاول الاحتلال فرض سيطرته على منطقة وادي سوف، وبعد ما أجرى الدراسات الوافية عن المنطقة قام بشن هجوم كاسح بقيادة العقيد "ديفو" كان ذلك خلال شهر ديسمبر 1854م، ولقد قاوم السكان الاحتلال الفرنسي بكل ما أتوا من قوة ولقد احتلت المنطقة بأكملها في سنة 1885م، ولكن السكان قاموا بعدة مقاومات لدحر المحتل البغيض لم تكن ناجحة.
ولقد شاركت واد سوف في الثورة بشراء الأسلحة وجمعها وإرسالها إلى الاوراس وساهمت أيضا بمساهمة فعالة من حيث الإمدادات البشرية والمادية واستشهد العديد من أبناءها فداءا للوطن.