ولد الطيب خراز بن محمد الكبير سنة 1925م بتغزوت (وادي سوف)، استقر ببسكرة مع جده والد أمه "ابراهيم بن العربي" الذي اشتغل قاضيا في عدة مناطق وكانت فترة توليه القضاء في الوادي بين (1915م - 1939م) أما أخواله فقد كانوا أصحاب مناصب في عدة مناطق حيث أن "محمد الصغير" شغل منصب قايد في دوار قرب باتنة، و"محمد العربي" نال منصب باش عدل قضاها بين الاغواط وقمار، وهذا الوسط المشبع بالثقافة والميسور الحال جعل الطيب ينشا مثقفا، حيث دخل المدرسة الفرنسية بالوادي سنة 1931م ودرس بها حوالي أربعة سنوات، لينتقل بعد ذلك الى السكن ببسكرة، حيث أكمل دراسته الابتدائية
و الاكمالية في هذه المنطقة، كما تحصل على دبلوم في المحاسبة من إحدى المدارس الفرنسية الخاصة، أما نصيبه من التعليم العربي فقد كان الطيب خراز من تلاميذ " محمد خير الدين" احد أعضاء المجلس الإداري والمراقب العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وبرز الطيب خراز في منطقة بسكرة كقائد كشفي محلي لفوج الرجاء من 1950 الى 1952، وفي هذه السنة وعند اكتشاف المنظمة الخاصة اعتقل وحكم عليه بالسجن شهرين حيث وجهت له تهمة النشاط المعادي للفرنسيين.
ثم شغل منصب سكرتير الكشافة الدائم في 1953 – 1954 ثم قائد جهوي ابتدءا من سنة 1954م، وفي شهر جوان من هذه السنة حضر الطيب خراز اجتماعا بشعبة الغولة ضواحي حمام الصالحين برئاسة مصطفى بن بو العيد والبشير شيحاني وبعض المجاهدين من بينهم الشهيد كيلاني الأرقط ، وتم في هذا الاجتماع تنظيم الخلايا وبدأت مرحلة الاستعداد الجدي للثورة المسلحة .
والجدير بالذكر أن الطيب خراز كان المناضل الثالث الذي توجب عليه الالتحاق بالقاهرة للتكوين العسكري، حيث عين من طرف العربي بن مهيدي الذي عرفه في بادئ الأمر كقائد كشفي ثم كمناضل في صفوف حزب الشعب، زيادة على هذا فقد تم اختياره من طرف المسؤول الوطني للكشافة الشهيد "عمار لاغا " بطلب من رابح بيطاط للمشاركة في الجمبوري المخيم الكشفي العربي بدمشق (سوريا) في أوت 1954م، بإشراف الأمين العام للجامعة آنذاك "ابن الخالق حسونا" في مدينة "الزبدية" بسوريا، وقد التقى الفوج الكشفي الجزائري بالشيخين "الفضيل الورتلاني والبشير الإبراهيمي" وكذلك "الشاذلي المكي" .
وقبل هذا وعند وصول اللجنة الكشفية الجزائرية لطرابلس (ليبيا) استقبلت من طرف احمد بن بله الذي كان في مهمة بالعاصمة الليبية، وفي هذا اللقاء طلب بن بله من الطيب خراز الاتصال بخيضر والحسين ايت احمد فور وصوله الى القاهرة (مصر) ، وحظي في هذه الزيارة بمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر وكذلك اللواء محمد نجيب في مكتبه .
كما أن احمد بن بله بعد مهمته في ليبيا التحق بهم في القاهرة، وطلب من الطيب خراز أن يعود الى الجزائر لان الوقت مناسب والتحضيرات سارية في الطريق الصحيح، وقام الرئيس احمد بن بله في هذا اللقاء بتسليم ثلاث رسائل الى "محمد مختار اسكندر" أصيل منطقة المدية الذي اختير أيضا للتكوين العسكري وتتضمن هذه الرسائل تأييدا من الأشقاء العرب للقيام بثورة في الجزائر، وكلفه بن بله بتسليم هذه الرسائل الى قادة الثورة المتمثلة في مصطفى بن بو العيد والعربي بن مهيدي وكذلك ابراهيم غرافة وكانت هذه الرسائل السبب الحقيقي في اجتماع مجموعة الـ 22 التاريخية التي انبثقت عنها مجموعة الستة التي فجرت الثورة التحريرية المباركة، وكلف محمد مختار اسكندر بتسليم رسالة الى ابراهيم غرافة، كما سلم الطيب خراز أيضا رسالة الى البطل الشهيد مصطفى بن بو العيد وسلمت الرسالة الأخيرة الى العربي بن مهيدي، الذي طلب من الطيب خراز ان يلتحق ببسكرة للمساعدة في التسجيلات والتحضيرات الأساسية لاندلاع الثورة رفقة حسين برحايل الذي تم تعينه من طرف مصطفى بن بو العيد، كما ساعدهم في بسكرة ايضا العربي الهاشمي المدعو " سليمان لدجودان".
إن الطيب خراز كان من المسؤولين السياسيين الذين كان لهم دور كبير في التخطيط لاندلاع الثورة المباركة في منطقة بسكرة رفقة محمد العربي بن مهيدي الذي كان هو أيضا في فوج الرجاء الكشفي، وقد تم اختيار الطيب من طرف القيادة العامة المتمثلة في: مصطفى بن بو العيد ونائبه شيحاني بشير وكذلك عباس لغرور، عاجل عجول، بالعقون مسعود، ومصطفى بوستة، وهؤلاء القادة اجتمعوا في 31 أكتوبر 1954م بدشرة أولاد موسى (حوز أريس) ، وترأس هذا الاجتماع مصطفى بن بو العيد وتم في هذا الاجتماع تشكيل الأفواج مع قادتهم، ووزع السلاح على المجاهدين بعد أن نقل الى هذه الدشرة أياما قلائل قبل اندلاع الثورة ، وحددت أماكن العدو للهجوم عليها، وتم اختيار 270 شخص قسموا الى مجموعات وعلى رأس كل مجموعة قائد، وكان تقسيم القادة على النحو التالي:
- احمد نواورة في منطقة أريس
- لغرور عباس في منطقة خنشلة
- بالقاسم قرين في منطقة باتنة و مروانة
- حسين برحايل في منطقة بسكرة
- الطاهر غمراسي (نويشي) في منطقة عين القصر
كما وضع مصطفى بن بو العيد والقيادة العامة مسئولين لتوجيه هؤلاء القادة وأفواجهم وهم:
- رشيد بو شمال مسؤول عن توجيه هذه العمليات في مدينة باتنة
- الطيب خراز مسؤول عن توجيه هذه العمليات في مدينة بسكرة
وقد كان مصطفى بن بولعيد يراسل الطيب خراز عن طريق شيحاني بشير هذا الأخير احضر له بيان أول نوفمبر قبل اندلاع الثورة بثلاثة أيام، وقام الطيب خراز باستنساخه وتوزيعه على زملائه المعنيين في بسكرة، واخبره شيحاني أيضا بمهمته المتمثلة في توجيه الفدائيين بمدينة بسكرة.
وفي يوم 31 أكتوبر 1954م التقى الطيب خراز بقائد الفدائيين حسين برحايل رفقة أفراد جيش التحرير الوطني، وقام الطيب بتوجيههم على المراكز المدنية المستهدف ضربها في هذه العمليات العسكرية، وهذا بعد أن طافوا على كل هذه المراكز، ووزعت المهام على النحو الآتي :
- حسين برحايل مع الحسين بن عبد السلام بالهجوم على الثكنة العسكرية.
عبد القادر عبد السلام بالهجوم على مركز الشرطة.
- احمد قادة بالهجوم على محطة القطار.
- عبد الرحمن عبد السلام بالهجوم على مركز البريد.
- عبد الله عقوني بالهجوم على المولد الكهربائي
وانطلق المغاوير للهجوم في الساعة صفر وفقا لأوامر قيادة(اللجنة الثورية للوحدة والعمل) لضرب النقطة الحساسة في الجهاز العصبي والمتمثلة في "ثكنة سانت جرمان" التي كان يقيم فيها لواء من رماة السنغال، وانطلقت النيران، وأصيب حارس مدخل الثكنة بجراح، كما أصيب الكوميسير(وهو برتبة لواء) برصاصة في فخذه، وألقيت قنبلة حارقة على مركز التجارة فاشتعلت فيه النيران.
وتمت كل العمليات بنجاح، وانسحبت الأفواج الى جبل " فوشي" وتحدثت وسائل الإعلام عن هذه التفجيرات، وفي 13 نوفمبر1954م أعيد سجن الطيب خراز من قبل القاضي "كوكيل غي" بتهمة التواطؤ مع الإرهابيين،واخذ الى سجن الكدية بقسنطينة وحكم عليه بالسجن مدى الحياة(مؤبد)، ثم حول الى سجن لامبيز وأثناء مكوثه بهذا السجن كان مسؤولا على بعض المساجين وناطقا باسمهم واستطاع الطيب خراز أن يحول السجن الى مدرسة ثورية وذلك بتنظيم المساجين الى فئات وأفواج وكلف البعض من المساجين بتقديم الدروس الدينية، وآخرين بتثقيف المساجين في أمور شتى كل حسب كفائتة، وقسمت المهام داخل السجن كما اصدر "مجلة السجين". والجدير بالذكر أن الطيب خراز يعتبر من أوائل السجناء السياسين في تاريخ الثورة المباركة كما انه حينما تم اعتقاله في 13 نوفمبر 1954م ، رسم خطة وجعل نفسه طعما تناولته السلطات الفرنسية بسهولة وبدون شعور، وتمثل هذا الطعم بأنه حينما سألوه أثناء التحقيق عن هذه العمليات التي حدثت في ليلة الفاتح من نوفمبر، أجابهم بكل برودة وبفرنسية راقية أن هذه العمليات منظمة وبتخطيط مسبق وهدفها الوحيد هو قلع المستعمر الفرنسي من جذوره وإخراجه من ارض الجزائر بشتى الوسائل، كما اخبرهم بأنه هو المسؤول الوحيد عن هذه التفجيرات التي حدثت ناحية بسكرة، واستفزهم قائلا بان رفقاءه هم: العربي بن مهيدي ومصطفى بن بو العيد والبشير شيحاني وإذا أردتم أن تمسكوهم فابحثوا عنهم في الجبال وقد كان غرضه من هذا الاعتراف هو عدم تعرض مناضلي المنطقة الى الاعتقالات فقدم نفسه فداءا لراحة وسلامة المنظمة الثورية ببسكرة ونواحيها، وبالفعل نجح الطيب في هذا الأمر ولم يعتقل ولا واحد من زملائه كل هذا راجع لوطنيته وذكائه وحنكته السياسية.
إن الحركة الكشفية تبقى المنار الذي يضيء الدرب السوي للأجيال المتعاقبة، لا تطمسه العقول العقيمة، ولا تمح مآثره النفوس المعلولة مهما عتت، ولذلك وبكل اعتزاز وبفخر الكرامة كان الكشاف ولا يزال بالتعاقب مشعل الثورة وشمس الحرية، وهناك فوق الفرد الأمة وفوق الرجال الأخلاق، والحرب ليست الهدف الأسمى فالمنتصر دائما السلم، فرغم تفاوت التكافؤ و بدادة العتاد إلا أن التصدي كان حليف المؤمن به
الى الذين لا يزالون على قيد الحياة والى أرواح من فارقونا الى ذمة الخالق، الى هؤلاء وأولئك وذويهم ونحن ذويهم، إليهم هم الذين جربوا الاضطهاد فما زادهم إلا قوة وشدة ومضاء.
رغم ادلهام الأمور وعظمة الخطوب، قالوا كلهم كلمتهم المدوية التي لا لين فيها ولا تراجع.
الطيب خراز حتى في لحظات الوداع الأخيرة ، كانت كلماته تنبع من منبع ثري ماؤه من قلب مفعم بحب الوطن وأمته، كان يهذي بهذه الروائع "استهلوا في الشعب والجزائر... استهلوا في الشعب والجزائر"، هذه الكلمات التي كان يرددها وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة.
هذا ما ضحت من اجله القوافل من الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداءا لهذا الوطن الأشم بلا مقابل، وصدقوا العهد وبروا بيمينهم على ثرية الوطن، ولم ينسوا أبدا في يوم من الأيام بمن هم ماذا فعلوا، وكلهم جلد في كتم السير إلا أنهم لم يستطيعوا حفظ صحتهم لأنهم بذرة أجيال طيبة الأعراق والبذرة بالتكاثر أثمرت أجيالا طيبة العرق، غليظة على أعدائها رحيمة فيما بينها، وذالكم ما توارثوه للحفظ والصون والذود عن الجزائر دائما أبدا.
من هو الطيب خراز:
انه احد أبطال القافلة الصناديد الذين أرعدوا فرائص المستعمر، واوجلوا قلب المستدمر البغيض و اخاروا قواه العاتية المدعمة بالحمية الجبروتية.
وللطيب خراز كما لغيره في النضال باع وذراع. إن هذا الكشاف، المناضل القدير، الثائر الشجاع المقداد البعيد الرؤى والصائب هدفها الذي شهد له مهندسو الثورة وهو من بينهم كشافا مناضلا ثائرا بنضاله المتعدد، وآثار حنكته السياسية يحتاج الى كتابا برأسه، وفي الختام ما عسانا إلا أن نقول "رحمك الله ولن ننساك أبدا يا أبانا القدير الطيب خراز"...
النص بالتصرف عن الأخ عمار عوادي بن لزهاري