الطــابع العمراني لسوف ".
خصائص البناء السوفي:
لمنطقة الوادي نمط معماري مميز، أملته الظروف الطبيعية أحيانا وثقافة أهل المنطقة أحيانا أخرى، ونستطيع القول أن الطابع المعماري هو امتداد للطابع المعماري العربي والإسلامي، فكل العناصر مستمدة من النمط العربي والإسلامي كالأعمدة والأقواس والقباب والتيجان، أما المادة المستعملة في البناء في وادي سوف فهي محلية وتُدعى الجبس، أما وادي ريغ فقد استعمل الطين في صناعة الطوب الذي تبنى به الجدران.
صنـــاعة الجـــــبس:
تطورت صناعة الجبس في أواخر القرن التاسع عشر بسبب تطور البناء وتوسع الحركة العمرانية، وهذا ما جعل صناعة الجبس تتطور في وسائلها لتوفير كميات أكبر لتحقيق الاكتفاء الذاتي من مواد البناء الضرورية. ورغم التطور الصناعي في مجال البناء وغزو الاسمنت إلا أن أهالي وادي سوف ما زالوا يحافظون على صناعة الجبس المحلي لكونه كان ولا يزال المادة الملائمة لطبيعة العمران العتيق الذي ما زال قائما بأحياء وقرى المنطقة. وفيما يلي عرض لمراحل صناعة الجبس:
عملية استخراج الحجارة: وهي عملية شاقة حيث يقوم العاملون باستخراجها من محاجر خاصة تدعى المقطع فتستخرج المادة الأولية للجبس وهي التافزة بنوعيها الهشة والحجرية، وكذلك الترشة وتستعمل في هذه العملية: الفأس والبالا، المسحة، والبراميلا وهو اسطوانة حديدية طولها 2م، عند ذلك تصبح الحجارة بعد استخاجها جاهزة للحرق.
حرق الحجارة:
ويتم بطريقتين مختلفتين:
الأولى: بالحاروق وذلك بوضع حجر الترشة على صفحة حجر التافزة، ويجعل فوقه كثير من الحطب والحشائش مثل بوقريبة واللبين، وفوقه كوما من الترشة حتى يصير شكله مثل القبة، وتُترك من الجوانب عارية، ثم تضرم النار في تلك الجوانب، فيشتعل الحطب وما معه، وتصير الترشة بذالك جبسا. وهذه الطريقة يستخدمها الفقراء في غواطينهم عندما يحتاجون إلى قليل من الجبس لبناء حوض أو ساقية أو بئر أو بنية حشانة.
الثانية: الكوشة (ص) وهو فرن يُشيد بالقرب من مقلع الحجارة وهي ذات شكل دائري له فتحتان إحداهما في الأسفل وهي مكان الموقد ويستخرج منه الجبس بعد الحرق، والفتحة الثانية تكون كبيرة في أعلى الكوشة وهي مفتوحة للهواء مباشرة.
تهريس الجبس وتحضيره:
عند الانتهاء من عملية الحرق بواسطة الحاروق أو الكوشة يُستخرج الجبس ويوضع في مكان صلب، ويُضرب بقوة سواعد العمال المفتولة بواسطة مهاريس كبيرة تسمى الخباطة فتحول الحجر إلى مادة الجبس التي تشبه الدقيق المسحوق لكنها مخلوطة بالرماد وأجزاء الخشب المحترق (الفحم) ويحدث هذا الخلط زيادة في الكمية، وتخفيفا من شدة الجبس وقوته، ليكون سهلا للاستخدام. كما تصنع كذلك الجباسة لتنظيف الصوف.
البناء بعناصر النخل واللوس:
كانت نوعية استعمال الأبواب تختلف من عائلة إلى أخرى تبعا للمستوى الاجتماعي للعائلة، فالأسر الغنية تستعمل الأبواب المنقوشة والتي تُجلب من تونس، في حين أن الأسر الفقيرة كانت تستعمل الأبواب المصنوعة من جذوع النخل، والمغطاة أحيانا بصفائح من القصدير كما كان يستعمل الجريد وجذوع النخيل في التسقيف.
اللوس: وتسمى زهرة الرمال (rose de sable) وهي حجارة صلبة تستعمل خاصة في إقامة أسس المنازل وآبار صرف المياه المستعملة (المصكوكة).
فن البنــــــاء:
النقش على الجبس:
ظهر هذا الفن بمدينة قمار بوادي سوف على يد بنّاء من المغرب الأقصى استدعاه الشيخ محمد العيد شيخ الطريقة التيجانية بعد استلامه المشيخة بزاوية تماسين عام 1260هـ(1844م)، وذلك لبناء المسجد المجاور للزاوية. وقد قام هذا البناء المغربي بتعليم نخبة من أهل قمار فن النقش على الجبس وقد برع منهم عمر قاقة الذي أصبح آية إعجاب فيما بعد حتى ذاع صيته في كامل أرجاء البلاد، وقد ساهم في نقش البريد المركزي في الجزائر العاصمة، كما قام بتعليم هذا الفن لبعض مساعديه، فبرز من تلامذته تيجاني قاقة الذي ساهم في نقش وزخرفة جل مساجد وادي سوف.
يمثل هذا الفن مجموعة من الزخارف المحفورة على الجبس، وتستعمل فيها نماذج تختلف من حيث الوصف والمعنى، فنجد النقوش الهندسية والتي أساسها الأشكال الهندسية المنتظمة المتداخلة والمتشابكة مع بعضها البعض. والنقوش النباتية والتي هي عناصر زخرفية مستمدة من الأوراق والفروع والأزهار وأخيرا النقوش الكتابية والتي تتألف من الخط الكوفي أو النسخي، ويُستعمل النقش على الجبس لنقش مساحات السطوح والجدران والسقوف والقباب والأعمدة. ولهذا الفن قواعد مستمدة من الطبيعة والأعمال الزخرفية القديمة ومنها التوازن والتناظر والتشعب من نقطة أو من خط، والتكرار، وكلها قواعد أساسية يقوم عليها التكوين الزخرفي.
القبـــــة والدمـــــــسة:
كانت الوحدة الأساسية في المسكن السوفي هي الحجرة الصغيرة التي تدعى" الدار"، وكان أهل سوف عندما يريدون بناء الدار، يتمددون أرضا فيكون ذلك هو مقياسها عرضا وبأطوال مختلفة، أما ارتفاعها فيكون حسب طول قامة الشخص الواقف فلا يتجاوز أربعة أذرع في الغالب، أما سقفها فأُعد من جريد النخلة وأخشابها، ثم انتشرت القباب بشكل واسع خاصة في منتصف القرن التاسع عشر حتى سُميت وادي سوف بمدينة الألف قبة وقبة لاعتماد الناس في بناء بيوتهم على القبة التي أصبحت تشكل الطابع المعماري الخاص بوادي سوف. ولهذا النوع من القباب مزايا مقصودة فرضته طبيعة المنطقة، وذلك لأن شكل القبة يساعد على تبعثر أشعة الشمس المسلطة عليها، وتخفيف حدتها وعلى منع تراكم ما تأتي به الرياح من تراب فوقها. كما أن تجويف القبة داخل البيت يوفر مزيدا من الهواء ويُلطف درجة الحرارة فيها.
ولتوسيع الحجرات الصغيرة المشيدة من قبة واحدة، استحدثت أقواس لإضافة قباب جديدة لغرض زيادة مساحة الدار، كما نُقلت إلى سوف طريقة جديدة لبناء الأسقف وهي"الأدماس" المستطيلة وقد ساهم الضباط الفرنسيين الذين حكموا سوف منذ 1883 في تطوير الهندسة المعمارية باعتمادهم طرقا تقنية متطورة واستعمالهم الخيوط والمسامير لتدوير القباب والأقواس بدقة.
البيت السوفي العتيق:
مسكن الغيطان:
وهي مساكن داخل الغيطان أو بقربه، يأوي إليها البدو والحضر ويستعملونها بصفة مؤقتة في أغلب الأحيان في أوقات جني التمور.
الحوش:
كانت قرى ومدن وادي سوف تتكون من مساكن ذات أبواب صغيرة، تبرز من فوق أسقفها بعض أغصان النخيل، وتتجمع هذه المساكن حول المسجد وعلى أطرافه تنتشر وتتوسع البلدة "النزلة" مع وجود البئر في وسط الرحبة التي تتصل بالشوارع الحلزونية التي تغطيها الرمال. ولم يمنع هذا التجمع العمراني من وجود زرايب أو خيام تسكن بها العائلات الفقيرة في ضواحي مدينة الوادي عاصمة سوف.
ومنذ القدم راعى مشيدو المساكن عدة أمور منها الظروف المناخية، والدين والعادات والأعراف والحشمة والحياء لصيانة المرأة من الأنظار، إضافة إلى الجوانب الصحية المناسبة. والمنزل السوفي يُدعى "الحوش" نسبة إلى الفضاء الواسع في وسط المنزل، وفي هذا الصحن تفتح كل المرافق التي كانت أرضها رملية، ولا يمكن للسوفي أن يعيش في منزل بدون حوش،لأن أغلب أيام السنة حارة، وتحتاج إلى الهواء الطلق، وبعض الناس يقيم "السدة" في وسطه وهي بمثابة السرير، ويمكن تحديد مرافق البيت السوفي كما يلي (مخطط للبيت السوفي من كتاب نجاح):
السقيفة: وهي مدخل البيت، وتكون مستورة بحائط، كما شيدت بجانبها حجرة سُميت "دار السقيفة" وهي عبارة عن غرفة استقبال للضيوف في الحالات الرسمية.
دار الخزين: وهي حجرة لتخزين المؤونة من مواد غذائية وخاصة التمر الذي غالبا ما يخصص له مكان يُدعى الخابية وفي أسفل الخابية قصبة يخرج منها عسل التمر المضغوط ثم يُجمع هذا العسل في قُلة أو زير، كما يشيد بالقرب من الخابية "الحد" وهو مربع الشكل ويوضع فيه تمر النهوش أو الحبوب من القمح والشعير، ويجمع أيضا في ركن من أركانها الصوف والوبر والخشب.
الكوزينة: وهي المطبخ وتكون في حجرة خاصة أو في وسط الساباط، وتكون بها مدخنة " الشميني" .
دار النوم: وفي الحوش تُخصص للنوم حجرتان أو ثلاث أو أكثر حسب مستوى العائلة وكبرها وتعدد الأسر فيها، وفي بعض الأحيان تنجز المقصورة، وهي بيت صغير داخل الحجرة، تُشيد في جهة من قبة هذه الحجرة دكانة من الجبس وهي بمثابة السرير.
الكوري: وهو اسطبل للحيوانات كالحمير والبغال والماعز والدواجن كالدجاج والحمام...كما يكون فيه بيت للخلاء تقليدي"خربة" وهي عبارة عن حجرين بينهما ثقب كبير، وتجمع الفضلات لتُستعمل بعد ذلك في تسميد المزروعات كالنخيل وغيره. ويكون الكوري في الجهة الشرقية من الحوش لتعريضه إلى أشعة الشمس.
البئر: ويكون غالبا في بيوت الأغنياء، ويستعمل ماؤها للطهي والغسيل، ويجلب الماء العذب من آبار القرية الخارجية أو من الغيطان من طرف الفتيات الصغيرات بواسطة القِرب.
البيت السوفي الحديث:
شيد الاستعمار الفرنسي أثناء تواجده بالمنطقة مساكن عصرية، وهي عبارة عن مساكن مغطاة يحيط بها سور وبداخله أشجار مختلفة، وبعد الاستقلال وعند تحسن ظروف السكان المعيشية، بدأوا في بناء بيوتهم بطريقة عصرية بالجبس والاسمنت في أواخر الستينات، ثم تطورت منذ السبعينات ووصل بعضها في بداية القرن الواحد والعشرين إلى قصور وأغلبها مجهز بأنواع الأثاث العصري المختلف، وأهم مرافق البيت السوفي الحديث:
دار السقيفة: أو بيت استقبال الضيوف، وقد حافظ الفرد السوفي على هذه العادة الحسنة.
المطبخ: وهو مجهز بكل المرافق الضرورية كمغسل الأواني والخزائن الحائطية...
دورة المياه: وهي مجهزة، ببيت خلاء عصرية، ومغسل، كما يوجد يها قصعة أو بنوار للإغتسال.
الغرف: وتختلف حسب عدد أفراد الأسرة.
دار لقعاد أو الصالة: وهي غرفة مخصصة للجلوس وتجاذب أطراف الحديث كما تستعمل أيضا لتناول الطعام ومشاهدة التلفاز.
الحوش: ويكون بجانب المسكن المغطى وهو تابع له.
السطح: ويسمى أيضا "لِعْلي" ويُستعمل غالبا للنوم في ليالي الصيف الحارة، وقد يُشيد به غرفة وبيت للخلاء.
الكوري: اسطبل ويوجد في البيوت التي يسكنها كبار السن وخاصة العجائز ويختفي هذا المرفق في المساكن الفتية التي يسكنها الأزواج الشباب.