التسامح ووحدة الصفاء

التسامح ووحدة الصفالأستاذ: رضوان يمبعي بسم الله الرحمن الرحيموالصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أيها الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. وبعدفإن المتأمّل للقرآن الكريم يجد أن عددا كبيرا من آياته تحث المسلمين على الوحدة وعلى التسامح، وتحذرهم من مغبة الفرقة والانقسام، وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكّد على أهمية الجماعة ووحدتها وتلاحم صفوفها، وكذا على دور التسامح في تقوية أواصرها وشدّ أزرها، والطريقة التجانية التي تستمدّ تعاليمها ومبادئها من الكتاب ومن السنة وسيرة السّلف الصالح، لم تخرج عن هذا الإطار إذ ركّزت على هذا الجانب الهام سواء من خلال توجيهات شيوخها أو من خلال موقفهم وتصرفاتهم.وقبل أن نسترسل في شرح هذا الموضوع نشير إلى الصعوبة التي يكتسيها نظرا لكثرة المراجع سواء الآيات أو الأحاديث أو الكتب أو المواقف ممّا يجعلنا في حيرة كبيرة أمام هذا الكم الهائل من المعلوماتأولا: الآيات: 1. قال الله تعالى: ] وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [[1]فقد أمرت الآية بالتمسك بحبل الله أي بدينه وأكدت على ذلك بـلفظ (جميعا) ولا يخفى على أحد ما في لفظة (حبل الله) من معنى القوة والنجاة لمن تمسك به، كما نهت عن التفرق بعد الإسلام، فالحال التي كان عليها من تخاطبهم الآية حال لا يحسدون عليه لأنهم كانوا أشبه بمن يقف على حافة هاوية يكاد يسقط فيها، وأعتقد أن العاقل الذي كان أمام خطر وشيك محدق به لا يمكنه التراجع إلى حيث يوجد الخطر بعد نجاته منه. وإذا كان الخطاب موجها لقبيلتي الأوس والخزرج لتذكيرهما بما كانوا عليه من عداوة وتقاتل وتدابر قبل أن ينعم الله عليهما بنعمة الأخوة فأصبحوا بفضلها إخوانا كأنهم أبناء أم واحدة وأب واحد بل إن أخوة في الدين لهي أكثر قوة من أخوة الدم، فإن كل المسلمين معنيون بذلك.2. وقال تعالى:] إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [[2] فهذه الآية تشير بأسلوب القصر (إنما ) إلى أن المؤمنين إخوة في دين الله ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تكون بينهم قطيعة, فإذا حصل بينهم خلاف يهدد وحدتهم وأخوتهم وجب الإصلاح.3. وفي باب المحافظة على الجماعة لأنها سبب القوة قال تعالى: ]وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [[3] فالملاحظ في هذه الآية أنها قرنت بين التزم طاعة الله وطاعة رسوله، بضرورة بل وجوب عدم الاختلاف وتفرق الكلمة وتنافر القلوب, فيكون ذلك مدعاة للضعف والخور وذهاب القوة والنصر والقدرة على الصبر عند لقاء العدو. 4. ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا[4][ً ففي الآية أمر بتقوى الله وطاعته ،وتحذير من عقابه ، وتحذير من قطع الأرحام والملاحظ هو أنه عطف اتقاء الأرحام على اتقاء الله، وفي هذا بيان لأهمية هذه العلاقة المتينة التي تربط الناس بعضهم ببعض، وفي الحديث القدسي: أنا الرحمن وهذه الرحم اشتققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته. ثانيا: الحديث الشريف: لقد حث الرسول r على وحدة الجماعة وتآلفها من خلال مجموعة من الأحاديث نذكر منها:«إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية » فهذا الحديث يشير إلى أن الخطر يكمن في الخروج عن الصف، فالشاة التي تكون ضمن القطيع تكون في مأمن من كل خطر فالجماعة حماية وقوة لها، أما إذا خرجت وانفردت وشردت فإنه من السهل على الذئب افتراسها.«المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا » فقد شبه الرسول r المجتمع المسلم بجدار المؤمنون لبناته وهي تشدّ بعضها بعضها بعضا وقوة البناء تكمن في قوة اللبنات وشدّة تماسكها. «إنما المؤمنون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى » وفي هذا الحديث يصور الرسول r علاقة الودّ والمحبّة التي تجمع المؤمنين وتربط بعضهم ببعض بالجسد الواحد الذي تتألم جميع أعضائه لتألّم عضو واحد، ونحن نرى ذلك يوميا فإن شوكة صغيرة تصيب أي جزء من جسم الإنسان تعطل الجسم كلّه . ثالثا: العبادات: إذا نظرنا إلى العبادات والشعائر التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لأدركنا أنها جميعا تصب في نهر واحد هو نهر الجماعة ووحدة الصف فكيف ذلك؟‌أ. الشهادتان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمّدا رسول الله تجعل الناطقين بها يشعرون بأن بوتقة واحدة تجمعهم هي بوتقة التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد وفي درجة أخرى فإنهم يجتمعون حول قطب آخر هو رسول الله r الذي اعتبر الله طاعته من طاعة الله: ]وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ[ [5]. وقوله سبحانه وتعالى]: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[[6]فهذه الآية تأمر بالإصلاح بين أهل الإيمان بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله r والرضا بحكمهما والتسليم به , فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك, فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله, فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف, واعدلوا في حكمكم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله, إن الله يحب العادلين في أحكامهم القاضين بين خلقه بالقسط. وفي الآية إثبات صفة المحبة لله على الحقيقة, كما يليق بجلاله سبحانه. ‌ب. الصلاة: وهي عماد الدين، وهي أول ما يحاسب عليه المسلم يوم القيامة، وقبول عمله مرهون بقبول صلاته أو رفضها، هذه الصلاة على أهميتها وخطورتها تكون أفضل إذا كانت في جماعة فقد قال «صلاة الجماعة تفوق صلاة الفذّ بسبع وعشرين درجة »، هذه الصلاة التي تعظم في يوم الجمعة بكثرة المصلين، وتعظم أكثر في صلاة العيدين لأن عدد المصلين يتضاعف، وهذه الصلاة لا تقبل إلا إذا كانت الصفوف متراصة يحاذي المؤمن أخاه المؤمن، فصلاته فذا قد تعتريها الوسوسة، وأما العبادة جماعة فتزيده يقينا قال الله تعالى:] قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [[7] أي أن من أضلته الشياطين صار متحيرا في أمره لا يدري أين يذهب حال وأي طريق يسلك، بينما رفقته يدعونه ليهدوه الطريق القويم لكنه لا يجيبهم فيهلك.‌ج. الصوم: عندما نتأمل الصّوم فإنه إضافة إلى فوائده الروحية وفوائده الصحيّة فإنه يمثل مظهرا من أهم مظاهر الوحدة فالمسلمون في جميع الأصقاع وعلى اختلاف الأمصار واللغات، يمسكون في وقت واحد ويفطرون في وقت واحد (من الفجر إلى المغرب)، ثم أداؤهم لصلاة التراويح جماعة، ناهيك عن الحرص على تقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين والتوسيع عليهم، وقد دأبت بعض الجمعيات والهيئات على تقديم إفطار جماعي لهذه الفئة من المجتمع وكلّ ذلك يشعر بجو الألفة والمودّة بين المسلمين.‌د. الزكاة: وهي ركن من أركان الإسلام، إذ يؤخذ جزء من أموال الأغنياء ليردّ على الفقراء، فيكفيهم المجتمع بذلك ذلّ السؤال ويساهم في تخفيف وطأة الفقر عليهم قال الله تعالى: ] خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[[8] وبتوزيعها يشعر أفراد المجتمع المسلم برباط الأخوة يربطهم ويجمعهم فتصفو نفوسهم فلا الفقير يحقد على الغني لأنه غبنه حقه، ولا الغني يخشى أن يسطو الفقير على ماله.‌ه. الحج: أما الحج فحدّث ولا حرج، فهو بحق أهم مظهر من مظاهر الوحدة، فهو أكبر اجتماع للمسلمين من جميع أنحاء المعمورة، يأتون من كلّ حدب وصوب، قال تعالى: ] وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [[9]، فيلتقون في وقت واحد، على صعيد واحد، بلباس واحد، ويكبرون إلها واحدا تتوجه إليه قلوبهم بالرجاء وتلهج ألسنتهم بالدعاء. هذه إذاً مظاهر الوحدة التي تعكسها العبادات في الإسلام،مواقف تاريخية :1. موقف الرسول r: كلنا يذكر موقف الرسول الأعظم يوم فتح مكة، فقد ضرب أكبر مثل للتسامح فقد ظفر بأعدائه الذين ناصبوه العداء، فكذبوه، وقاطعوه، ووصل بهم الأمر إلى قمّة السّوء والوقاحة حين أجمعوا على قتله، فلم يعاملهم بالمثل، بل دفع سيئاتهم بالحسنة إذ عفا عنهم وصفح وقال لهم قولته المشهورة: «لا أقول لكم إلا كما قال أخي يوسف لإخوته: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم. اذهبوا فأنتم الطلقاء».2. بين سيدنا بلال وأبي ذر الغفاري رضي الله عنهما: فقد خاطب أبو ذر بلالا بقوله: يا ابن السّوداء، فاشتكاه للنبي r الذي وصف أبا ذر بقوله:«إنك امرؤ فيك جاهلية »، مما جعل أبا ذر يبكي ويضع خدّه في التراب ويقسم ألا يرفعه حتى يدوس بلال خدّه الآخر بقدمه تكفيراً عن الذنب الذي ارتكبه، فيقبّل بلالا خدّه ويعانقه، فقد ضربا لنا بهذا السلوك أروع صورة للصفح والعفو.3. موقف محمد بن الحنفيّة وأخيه الحسن بن علي رضي الله عنهما: ؟؟؟؟ومن المواقف التاريخية التي توحي بأهمية الوحدة والجماعة أن ابن الخطيب جمع أبناءه العشرة وقدّم لهم مجموعة من الأخشاب وطلب منهم تكسيرها، فحاول كلّ منهم أن يفعل فلم يفلح، حينها أخذ القطع وكسرها قطعة قطعة بسهولة تامة، ثم التفت إليهم وقال: هذا حالكم إن كنتم مجموعة واحدة فإنه يسهل كسركم وإن كنتم متفرقين فمن السهل كسركم، وفي هذا المثل دليل على قوة الجماعة، وقد أوصاهم وصية جامعة مانعة يهمنا منها هذا المقطع الذي يخدم موضوعا: «والله اللهَ لا تنسَوْا الفضْل بينكم، ولا تُذْهبُوا بذهَابِهِ زيْنكم، ولْيلْتزِمْ كلُّ واحِدٍ منكُم لأخيه ما يشُدّ به تواخِيهِ، بما أمْكنَه من إخلاصٍ وبرٍّ، ومراعاةٍ في علانيَة وسرّ...»، فهو يوصي أبناءه بالإحسان إلى الأهل والإخوان ماديا ومعنويا، والمحافظة على مودّتهم في الغيبة والحضورِ، والسّرّ والعلن. E الطريقة التجانية والتسامح ووحدة الصف: نجد الطريقة التجانية قد وعت هذه العبر من القرآن والسنة والسيرة النبوية حيث استطاعت أن تلمّ شمل المسلمين وتوجههم إلى أن يكونوا ذوي مرجعية دينية وعقائدية، فالمريد التجاني أشعري العقيدة، مذهبه مذهب أهل السنة والجماعة أي أحد المذاهب الأربعة، وطريقته في التربية الروحية تجانية.أما أسلوب الطريقة التجانية في توحيد الصفوف فيتجسّد في كلام الشيخ سيدي أحمد التجاني t ورسائله ووصاياه إلى الإخوان التجانيين في شتى بقاع العالم ، وخلفائه من بعده ، كما تتجلى في العديد من المظاهر الاجتماعية والدينية اليومية .E موقف الشيخ سيدي أحمد التجاني t : لقد جسّد الشيخ t وخلفاؤه تلك المعاني التي وردت في ما ذكرنا من آيات وأحادي وبذلوا كلّ ما في وسعهم لتجسيدها على جميع الأصعدة الروحية والاجتماعية وأمروا مريديهم بالتزامها حتى صارت حياتهم كلها في الله وبالله ولله، بل صار صبغة يصطبغ بها أتباع الطريقة التجانية في جميع أصقاع العالم في لقاءاتهم السنوية كالزيار، والأفراح والمآتم ، وفي حلقات الذكر والوظيفة لذلك يقول الشيخ سيدي أحمد التجاني t : « لو علمتم ما في الوظيفة من الفضل لأتيتموها حبْواً» لذلك ينبغي للمريد أن يذكر مع جماعة، فإن ذكر الجماعة أكثر تأثيرا في رفع الحجب لكون الحق تعالى شبه القلوب بالحجارة، ومعلوم أن الحجارة لا تنكسر إلا بقوّة الجماعة فكذلك قسوة القلب لا تزول إلا بذكر جماعة مجتمعين على قلب واحد، لأن قوّة الجماعة أشدّ من قوّة شخص واحد، وأما من حيث الثواب فلكلّ ثواب نفسه وثواب سماع رفقته. وكذلك في المجالس العلمية التي يعقدونها، فيجتمعون فيها على طاعة الله ومحبّته، وهذه اللقاءات عامل مهم في ربط الأواصر وتمتين عرى الأخوة بين الأحباب يقول الرسول r: « إن الإيمان ليبلى كما يبلى الثوب ألا فجدّدوه باللقاء» لأن كل لقاء ابتغي فيه وجه الله تعالى لا شك أنه تعتريه نفحات روحية ربانية لا يسع المؤمن إلا أن يتعرّض لها.وللمحافظة على العلاقات الاجتماعية والأسرية أوصى الشيخ t بالمحافظة على صلة الأرحام، وكلّ من شأنه وصلها، وكذلك العلاقة بين المسلمين وضرورة المحافظة عليها فيقول: «وعليكم بصلة الأرحام من كلّ ما يطيّب من القلب ويوجب المحبّة، ولو يتفقد الحال وإلقاء السلام، وتجنبوا معاداة الأرحام وعقوق الوالدين، وكلّ ما يوجب الضغينة في قلوب الإخوان، وتجنبوا البحث عن عورات المسلمين، فإن من تتبع ذلك فضح الله عورته، وهتك عورة بنيه من بعده، وأكثروا العفو عن الزلل، والصفح عن الخلل لكلّ مؤمن، وآكد ذلك لمن آخاكم في الطريقة، فإن من عفا عن زلّة عفا الله له عن زلاّت كثيرة ومن وقع فيكم بزلة وجاءكم معتذراً فاقبلوا عذره وسامحوه، لكي يقبل الله أعذاركم ويسامحكم في زلاتكم، فإن أشرّ الإخوان عند الله من لا يقبل عذرا ولا يقبل عثرة.»كما أوصى بالمناصحة والرفق ولين الجانب، وأكد على المقدمين بالتحلّي بالعديد من الأخلاق والصفات الّتي تساعد على بناء جدار الأخوة وتمتين عراها فيقول : «وعليكم بمناصحة إخوانكم في الطريقة برفق ولين وسياسة من غير ضغينة ولا حقد، وأوصى من كان مقدّماً على إعطاء الورد، أن يعفو للإخوان عن الزلل، وأن يسقط رداء عفوه على كلّ خلل، وأن يتجنب ما يوجب في قلوبهم من ضغينة أو شيئا أو حقداً، وأن يسعى في إصلاح ذات بينهم، وفي كلّ ما يوجب في قلوبهم بغضا على بعضهم بعضا، وإن اشتعلت نار بينهم سارع في إطفائها وليكن سعيه في ذلك مرضاة الله. لا لحظ زائد على ذلك، وأن ينهى من رآه يسعى في النميمة، وأن يزجره برفق وكلام لين، عليه أن يعاملهم بالرفق والتيسير، والبعد عن التنفير والتعسير، في كل ما يأمرهم به وينهاهم عنه من حقوق الله وحقوق الإخوان، ويراعي في ذلك قوله r (يسّروا ولا تعسّروا وبشروا ولا تنفِّروا).» 1. تحمّل الأذى : على المؤمن أن يتحمّل الأذى من إخوانه إذا بدر منهم،ويصبر عليهم، ويعفو عن زلا تهم كما يقول القائل:ومنها تحمّل الأذى والمصائب*ومنها شفاعة بغفران زلّــــــةفبذلك يظهر جوهره، فقد قيل إن لكلّ شيء جوهرا، وجوهر الإنسان العقل، وجوهر العقل الصّبر فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيّ r قال: «المؤمن الذي يعاشر الناس ويصبر على أذاهم خير من الّذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم»، وفي الخبر: «أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم ؟ قيل ماذا كان يصنع أبو ضمضم؟ قال: كان إذا أصبح قال: اللهمّ إنّي تصدّقت اليوم بعرْضي على ضمني، فمن ضربني لا أضربه، ومن شتمني لا أشتمه، ومن ظلمني لا أظلمه ».وقال بعضهم: «الصبر على مضضِ الأخِ خيْرٌ من مُعاتبتِهِ، والمُعَاتبَةُ خيْرٌ منَ القطِيعَةِ، والقطِيعَة خَيْرٌ مِن الوَقِيعَةِ»ولا بدّ من الاعتدال في الحبّ والبغض تحسّباً لما تأتي به الأيّام فقد يكون العدو البغيض في يوم صديقا محبوبا، وقد يكون الصديق بغيضا ممقوتا، فالقلوب تتغيّر بين لحظة وأخرى لذلك قال الله تعالى:]عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ [10]، وقال r: «أحبِبْ حبيبَك هوْناً ما عسَى أن يكون بغيضك يوْماً ما وأبغض بغيضك هوْناً ما عسى أن يكون حبيبك يوْما ماَ» وعلى المسلم أن يكون ذا طبْع خيِّرٍ، يصفح عن الزلات، وعليه أن يتأكد من نتائج هذا السلوك الطيبة، قال الإمام عليّ كرم الله وجهه:وكن معدِنا للخَيْرِ واصفحْ عنِ الأذى*فإنك راءٍ ما عملْتَ وسامِـــــــــعُ E سيدي أحمد بن حمه: وقد تمثلت هذه المعالم في الشيخ سيدي أحمد التجاني التماسيني في الفترة الانتقالية سنة 1962 بحيث استغل الفرصة بعض السفهاء للتنكيل بالأحباب والمقاديم التجانيين خاصة في الرقيبة وعميش، وكادت تقع فتنة تزيد ولا تنقص وتتشعب في شتى أنحاء البلد لكن الشيخ وقف لها بالمرصاد وظلّ يوصي بالصبر والتسامح وعدم مقابلة ذلك بالمثل بل بالحسنى قال تعالى: ]ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ[[11] ورسائله في ذلك أكبر شاهد على ذلك إذ يقول: «عليكم بالصبر وعدم الإسراع لما يخالف النواميس» وقوله: «إن الحالة لا تدوم».ومن مواقفه المشرفة في رأب الصدع إطفاؤه نار الفتنة بين الإخوان في تونس حيث عجزت فرنسا عن ذلك فاستنجدت به، فبعث لها وفدا من الوادي نجح في مهمة الإصلاح وملأ القلوب ألفة ومحبّة.E ومن مواقفه المشهود له بها في مجال توحيد الصف بين الجزائريين ضد الاحتلال ما ذكره خير الدين في مذكراته من أن الشيخ كان يساهم مادّيا ويشجع جمعية العلماء المسلمين على تعليم النشء إما مباشرة إلى البشير الإبراهيمي أو عن طريق الصخري الحاج شاوي ببسكرة[12] E سيدي البشير: أما خليفته الشيخ سيدي البشير فقال قبل وفاته: «أوصيكم بالتسامح، وإذا كان الحبيب لا يستحق السماح فسامحوه من أجلي».E سيدي العيد: وعلى وقع خطر الرجلين العظيمين يسير الشيخ سيدي العيد اليوم وكانت أولى وصاياه هي التسامح والوحدة بحيث لا تكون هناك فجوة يعشش فيها إبليس ويفرق بها هذه الوحدة E ملاحظة هامة: هذا الموضوع ليس في شكله النهائي لذلك يحتاج منكم إلى إعادة النظر في ترتيب عناصره، وحوادثه، وتقديم أو تأخير بعض أفكاره، كما يحتاج لبعض الإضافات.

[1] آل عمران الآية103
[2] الحجرات الآية 10
[3] الأنفال الآية 46
[4] النساء الآية 1
[5] الأنفال الآية 46
[6] الحجرات الآية 9
[7] الأنعام الآية 71
[8] التوبة الآية 103
[9] الحج الآية 27
[10] الممتحنة الآية7
[11] المؤمنون الآية 96
[12] مذكرات محمد خير الدين الجزء 1 ص 364، 365.