السكن السوفي:
إن من مقومات المجتمع هو المسكن الذي يأوي إليه الإنسان بعد النشاط والعمل ويكون السكن هو مكان الراحة من تعب الأعمال،وهنا سوف نتحدث عن سكن السوفي وعن الغيطان لان هذين المعلمين هم المكانان الذين يقضي فيهما السوفي معظم وقته باعتباره فلاح مرتبط بأرضه وباعتباره أب مرتبط ببيته ومن هنا يمكننا تقسيم هذا العنصر إلى فرعين أساسين وهما "الحوش" و"الغيطان"
الغيطان:
إن الغيطان في سوف قديمة بقدم الإنسان السوفي،فمنذ أن استوطن الإنسان وفكر في الاستقرار فيها جاءت فكرة الغوط في ذهنه إذ لا حياة واستقرار بلا ماء وغذاء والغوط منبع الماء ومصدر الغذاء بل هو البيئة التي تصنع حياة السوفي وتحتضن آماله وتحقق أحلامه وسوف نتعرف على كل ذلك.
يمكن لنا تعريف الغوط بأنه هو واحة النخيل المنشاة في منخفض عميق شبه دائري ،ويكون خصيصا لزراعة النخيل لتكون قريبة من مستوى سطح الماء وتكون النخلة فوق الماء بحوالي 30 سنتمتر.
وكما ذكرنا آنفا أن يوم السوفي كان جله بالغيطان ونستشهد عن هذا الكلام بيوميات هذا الفلاح الذي يقول: بعد صلاة العصر نذهب إلى الغيطان لتكسير الأحجار وتهيئة التربة التي سترفع صباحا،ثم نعود إلى المنزل مع الظلام لنقوم في الصباح الباكر ونتوجه إلى الغيطان مع عاملين وبغلين،أما العاملان يقومان بملء "الزنبيل" بالتراب ويتناوب عامل ثالث على الغلين لإخراج التراب خارج محيط النخيل ويبقى العمل مستمرا إلى طلوع الشمس ،وعند طلوع النهار حيث نتناول مشروب الشاي ثم نذهب إلى سقي البساتين وننتهي عند منتصف النهار ،حيث نتناول التمر ونستأنف العمل إلى الظهر حيث الصلاة ثم القيلولة ،بعد ذلك نقوم بسن أدوات العمل وتحضيرها وهكذا يستمر العمل حتى سنة أحيانا[1].
وهكذا تعرفنا عن مدى تعلق السوفي بالغوط الذي هو عبارة عن مأوى له طول النهار وليست العلاقة بين الغوط والسوفي هي العمل فقط، فقد كان هو مصدر الرزق والغذاء للسوفي من خلال إنتاج التمور ،فكان غذاؤه التمر الذي يخزن جزء منه للبيع ومنه ما يخزن للأكل، وأيضا من الغوط كان مصدر أدواته ووسائله المتعددة من خلال سعف النخيل والليف وغيرها من منتوجات النخلة حيث نلمس أن الألعاب كانت من منتوج الغوط مثل (السيق،القوس،الطرشاقة…) وغيرها من الألعاب التي كانت مستعملة ،ومن هنا تظهر لنا العلاقة الكبيرة الموجودة بين السوفي والغوط ولقد جعل السوفي صراعه مع الطبيعة يخرج لنا إبداع قل نظيره في المجتمعات الأخرى.
ونختم كلامنا عن الغوط وعلاقته بالسوفي،هو أن علاقة السوفي بالغوط ممتدة من المهد إلى اللحد ،فتبدأ من لحظة الولادة حين يذاق قليلا من التمر ،ثم يوضع على مهد مصنوع من الجريد وتعلق سرته على نخلة وتسمى باسمه،إلى حين وفاته حين ما يغطى جثمانه وهو يدفن بالجريد الأخضر وهنا تظهر العلاقة بين السوفي والغوط[2].
الحوش:
بعد أن تعرفنا عن الغوط وعلاقته بالسوفي،سوف نتعرف الآن عن المكان الذي يقضي فيه الفرد السوفي وقت راحته ، وأول ما نميزه على هذه المنازل هو أنها ذات أبواب صغيرة تبنى أسقفها بالجبس وأجزاء من أغصان النخيل ،وتقام المساكن حول المسجد للتفرع منها شوارع حلزونية تغطيها الرمال كلية[3].
وقبل الحديث عن مميزات الحوش ومكوناته ،سوف نتعرف على مواد البناء المستعملة في المنزل ،ومن أهم هذه المواد:
الجبس:ويكون من حجر التافزة التي يؤتى بها من المقالع ثم تحرق جيدا بالنار وتوضع في الفرن وتضرم فيها النار وبعد أن تحرق هذه الحجارة تضرب بواسطة لوحة تسمى الخباط ضربا جيدا حتى تتفتت إلى أجزاء صغيرة جدا شبيهة بمسامات الرمل وكلما كانت ناعمة كانت سهلة على البناء.
اللوس: وهي حجارة صلبة لا تصلح للحرق ولا للتحول إلى جبس ، وقد تكون من زهرة الرمال ،وتؤخذ من المقالع وتستعمل في البناء.
بناء الجدران: يخلط الجبس مع الماء جيدا حتى يصبح على شكل عجينة ،ثم يوضع للبناء متحدا مع اللوس وان بناء الجبس قد يعمر إلى أكثر من قرنين، أما بالنسبة للسقف فتسقف بالقباب[4]، ويعود سبب ذلك إلى شح الخشب ،وإرادة السوافة بعدم بناء طابق علوي وذلك لحماية الحريم من نظرات الرجال الأجانب، وأيضا لتوفر الجبس وان القبة أكثر تهوية وتعمر أطول لان مياه الأمطار تسيل من عليها فور تساقطها[5].
وبعد أن تعرفنا على المكونات الأساسية التي يكون منها بناء المنزل السوفي ، نعرج على المصطلح وهو الحوش وهو نسبة إلى الفضاء الواسع في وسط المنزل الذي يكون محاط بالحجرات، أما عن أهم المكونات الأساسية التي يتكون منها المنزل السوفي فهي :
- دار الخزين: والتي اشرنا إليها سابقا والتي تكون مفتاحها بحوزة سيد العائلة ،وهي عبارة عن حجرة يخزن فيها أهل البيت مئونتهم وموادهم الغذائية خاصة[6]،إذ تحتوي دار الخزين على الخابية وهي المكان المخصص لتخزين التمر وتكون مصنوعة من الجبس[7].
- الصباط: وهو حيز مسطح به أقواس وسواري بالحوش يدخل إليه الهواء بكثرة وهو يقام بالجهة الجنوبية مفتوحا على الشمال،ويدعى الصباط الظهراوي ويخصص للجلوس في فصل الصيف ،كما يقوم آخر في الجهة الشمالية باتجاه الجنوب ويدعى بالصباط القبلاوي ويخصص لفصل الشتاء[8]. وقد يحتوي الصباط الظهراوي على القربة والقلة لبرودته في فصل الصيف[9].
- بيت النوم: وقد يكون بالحوش أكثر من دار للنوم وهذا يرجع إلى عدد أفراد العائلة وعدد العائلات الموجودة بالبيت الواحد من أبناء وأزواج وفي بعض هذه الحجر تقام المقصورة وهي بيت صغير داخل الحجرة كما يشيد بالمقصورة "دكانه" من الجبس هي بمثابة السرير.
- بيت الخلاء: وهي بيت الراحة أو المرحاض،فيقام بالجهة الشرقية والتي هي عبارة عن حجرين تعلو عن سطح الأرض وكلما تراكمت الفضلات تحمل إلى الخارج لتعرض إلى الشمس، ثم تأخذ إلى البستان لتستعمل كسماد وهو من أحسن السمادات المستعملة.
- الإسطبل(الكوري): ويقام بالجهة الشرقية أو القبلوية ،ويخصص للحيوانات التي يكون الفرد السوفي في احتياج مستمر إليها كالماعز أو الدجاج والحمام والدواب[10].
وان السبب في بناء الإسطبل وبيت الخلاء بالجهة الشرقية هو تعرض هذه الجهة لأشعة الشمس لفترة طويلة ،وبذلك لا تنتشر الرائحة الكريهة من هذين المكانين.
- المطبخ: وهي حجرة خاصة بالطهي تجهز بمدخنة حتى تخرج الدخان المحترق ويطلق على هذه المدخنة اسم "الشميني".
- السقيفة: وتستعمل لاستقبال الضيوف وتشيد بقربها حجرة تعرف بدار السقيفة وهي لاستقبال الضيوف المهمين والذين يحتاجون إلى رعاية خاصة.
هذا بالنسبة لمرافق البيت كما يمكننا أن نضيف إلى مكونات البيت السوفي هي البئر ويوجد خاصة ببيوت الأغنياء ويستغل في الطهي والغسيل ،أما الماء العذب فيجلب خارج من القرية أو من الغيطان من طرف الفتيات بواسطة القربة[11].
ويمكننا أيضا أن نميز بالبيت السوفي هو وجود "الساتر" وهو عبارة عن جدار يفصل بين الحوش وباب الشارع بحيث المار في الشارع إذا كان الباب مفتوح لا يرى ما في الحوش ويكون الساتر حائل وصمام أمان يحفظ للأسرة السوفية حرمتها وعفتها.
هذا عن أهم مكونات الحوش وركائزه الأساسية التي توارثها السوفي عن أجداده ،واستعمل فيها ذهنه ليسير الطبيعة القاسية لصالحه.