dahaboubaker المشرف
عدد الرسائل : 10539 العمر : 29 الموقع : الاولون2008 العمل/الترفيه : non المزاج : رايق تاريخ التسجيل : 12/05/2008
| موضوع: عن السماع وحُكْمِه واستعماله السبت يوليو 02, 2011 1:44 pm | |
| وأمّا السؤال: عن السماع وحُكْمِه واستعماله وكيفيته ومَنْ يسمع ومِمَّنْ يسمع وعلى أيّ حالة يكون وبأيّ كلام يكون؟
فالجواب، والله الموفّق بمَنِّهِ وكرمه إلى الصواب:" إعلم أنّ أمْر السماع قد افترقت فيه أقاويل الشيوخ الكبار المتحقّقين بكمال المعرفة بالله العيانيّة الشُّهُودِيَّة والتوحيد الخاصّ الذوقيّ وكمال الهُدَى والتبرّي مِنْ جميع وُجُوهِ متابعة النفس والهوى. فمِنْ قائلٍ بإباحته مطلقا من غير طلبِ فِعْلٍ ولا طلبِ تَرْكٍ، ومِنْ قائلٍ بتحريمه مطلقا وذمِّ فاعليه، ومِنْ قائلٍ بكراهيته دون التحريم، ومِنْ قائلٍ بندبه وإيثار الميْل إليه ولا قائلٍ بوجوبه، والفتوى فيه مفصّلة في كتب التصوّف فلا نُطيل بها، ومِنْ قائلٍ بتفصيل الأمريْن فيه بين إيثار فِعْلٍ وإيثار تَرْكٍ، وتحريمه وكراهيته وندبه وإيثاره والميل إليه على حسب عوارض الوقت ودواعي الحال، وكلّ ذلك مفصّل في كتب التصوّف. والأمر المُحَقّق فيه في هذا الوقت أنَّ ما كان خاليا مِنْ آلات الطرب وما يُشَوِّشُ الفكر مِنْ ذِكْرِ القُدُودِ والخُدُودِ والتشبب بالنسوان وسماع أصواتهنّ وأصوات الشبّان ذوي الجمال، فكلّ ما خرج من هذه الأمور وسَلِمَ مِنَ الصورة المحرّمة شرعا، كاختلاط النساء والرجال، فالحكم فيه أنْ ينظر الشخص في حاله عند حضور سماعه، فإنْ وَجَدَ فيه زيادة في حاله أو تحريكا لِسَاكِنِ هِمَّتِهِ إلى النهوض لطلب الحضرة الإلهية أو للبعد عن المألوفات والعادات والصوّر المُهَيَّئَات والمحرّمات أو للتعلّق بالله تعالى وتحريك شيء من محبّته في القلب فليلزمْ صاحب هذا الحال حضورَه وإيثاره ما لمْ يُؤَدِّ إلى تعطيل أوراده والخروج عن مراعاة أوقاته فإنّه إنْ كان بهذا الحال فضرره أكثر مِن نفْعِه. وإنْ وَجَدَ الشخص فيه فتور عزيمته والميْل إلى الراحات، ورأى نفسه ركنتْ إليه في هذا الباب بتقليلِ نهوضها إلى الحضرة الإلهيّة، فصاحبُ هذا الحال لا يَحِلُّ له حضوره والإلمام به. وإنْ كان حالُ الشخص في حضوره لا زيادة ولا نقص من كلّ ما ذَكَرْنَا إلاّ التمتّع بالأصوات المطربة والألحان المعجبة فالحكم في هذا الإباحة إنْ شاء حضره وإنْ شاء ترَكَه. وما كان مِن أصوات الشبّان ذوي الجمال والنسوان فسماعُه مُحرَّم أو كالمحرّم ولو رأى منه زيادة في حاله مِنَ الأمور التي ذكرناها، فإنّ الولوع بذلك مع رؤية ظهور الزيادة في الحال كالذي يشرب عسلا مُخَبَّؤٌ فيه سُمُّ ساعةٍ، فإنّه يقتله مِنْ حيث لا يدريه. وأمّا ما خرج من هذا، وكان فيه شيء من آلات الطرب، فإنّه يَحِقُّ على العاقل اجتنابه، إلاّ أنْ يكون بحضرة شيخٍ واصلٍ كاملٍ، فإنّه إنْ كان بهذه المثابة فيُسْتَحَبُّ حضورُه، ولأنّ السماع بآلات الطرب وإنْ لم يتمكّن ضررُه فسيعقب الفساد باطنا بمنزلة السحابة المفروح بها للسَّقْيِ والأمطار فيسقط منها على الثمار بَرَدٌ عظيمٌ وصواعق فيفسد الثمر الذي كان ينتظر صلاحه، إلاّ أنْ يكون بحضرة الشيخ الواصل الكامل فإنّ حضوره عاصمٌ من الضرر والهلاك. وكلّ هذا الأمر في حقّ أصحاب الحجاب. وأمّا الغَرْقَى في بحار الحقائق والتوحيد فلا يُحْكَمُ عليهم بهذا الحكم لكن يُترَكُون تحت حُكْمِ حالهم ومقامهم، فإنّ العارف في مقامه يفعل ما يقتضيه مقامُه بِنَصٍّ أو تصريحٍ أو إشارةٍ أو تلويحٍ غير ملتفت لِمَنْ يُنْكِرُ عليه أو يندبه. فإنْ أعطاه مقامُه حضورَ السماع وإيثاره تُرِكَ على حاله ولا يُنْكَرُ عليه لأنّه أعرف بمصالحه وعِلَلِهِ، وإنْ أعطاه مقامُه الهروبَ عنه والنفورَ فليس لأحدٍ أنْ يندبه إليه ولا أنْ يحثّه على حضوره، فإنّ الأحوال في المعارف مختلفةٌ والأذواق متباينةٌ وفوائد المراتب وفيوضاتها وفتوحاتها غير ملتئمةٌ ولا متشابهةٌ، فَكَمْ مِنْ صاحبِ مقامٍ يتضرّر بالسماع بأدنى لَمَّةٍ مِن حضوره ويكون ذلك عليه اشدّ مِنْ سُمِّ ساعةٍ في قَتْلِ الأجسام الكثيفة، وكَمْ مِنْ عارف يُفَاضُ عليه في حضوره بالسماع مِنَ الحضرة القدسيّة مِنْ فيوض الأحوال والمعارف فيرتقي به مِنَ المقامات ما لا يرتقيه بالعبادة وصفاء الأوقات في مائة ألف عام مِنَ المقامات. فهذا تفصيل الحُكْمِ في العارفين رضي الله عنهم، وكلّ واحد له ذوق ومقام وحال، والفِطَرُ مختلفةٌ والمباني غير مؤتلفة، فإنّ لكلّ مقام مقالا ولكلّ ذوْقٍ ووَجْدٍ رجالا ولكلّ وقتٍ حُكْماً يَخُصُّهُ ولكلّ حالٍ وقتاً يبسطه، فالواقع مِن هذا أنّ العارف بالله في حضور السماع بِحُكْمِ وقته ومقامه وحاله وذوقه ووجده، فلا يُعترَض عليه لا في الحضور ولا في الترك، وأمّا أصحاب الحجاب فقد سبق تفصيل الحُكْمِ فيهم". | |
|